مع اقتراب استحقاق الانتخابات النيابية، المقررة في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وانطلاق موسم خطب ود الناخبين والأصوات "المحيرة"، يستذكر العديد من مرشحي الانتخابات أصوات شريحة تسكن بين ظهرانينا، وتنتشر "خرابيشها" وخيمها في مناطق عديدة في أطراف العاصمة عمان ومدن أخرى، هي شريحة "النور" بعالمها وحياتها المغلفين بصور نمطية وأفكار مسبقة.
"نحن نور، لكننا لسنا كما يعتقد الآخرون"، صرخة تكاد تسمعها من كل أبناء هذه الشريحة، التي توطن الآلاف منهم في المدن الأردنية، ودخلوا المدارس والجامعات، وفتح لهم باب العمل في القطاعين والخاص، ومع ذلك فهي شريحة ما تزال تشكو، كما هو حال أبناء جلدتهم في العديد من أقطار العالم، من نظرة المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها، باعتبارهم فئات مهمشة ومظلومة اجتماعيا ولها صورة سلبية في وعي مجتمعاتها.
الشعر الطويل المجدل للفتيات، والألوان المزركشة والفاقعة للباسهن، سمة تميز هذه الشريحة، التي تقطن الخرابيش والخيم في الأحياء وأطراف المدن، فيما تغيب هذه المظاهر الخارجية لملابس النور عمن استوطن منهم البيوت والمساكن الدائمة في الأحياء المختلفة.
لكن هاتين الفئتين من النور، من يسكن الخرابيش أو البيوت، تعانيان الأمرّين من الصورة السلبية والنمطية في وعي شرائح المجتمع الأخرى تجاهها، تلك النمطية التي "تربط بين النور والتشرد والتسول وقلة النظافة والجهل وامتهان الرقص والغناء"، بحسب ما يشكو لـ"الغد" العديد من أبناء هذه الفئة.
من هم النَّور؟
تسمية "النور" قديمة، بحسب الزعيم الروحي للنور في الأردن فتحي بن عبده موسى، الذي يقول إن إحدى الروايات لأصل الاسم هو أنه أطلق عليهم لشدة جمال بنات النور، وهو اسم مشتق من النور، أي الضوء المنبعث من السماء. ويشير الى ان تاريخ نشأة النور في الشرق الأوسط لم تحدده بدقة الدراسات والأبحاث التي أجريت.
ويجزم موسى أن أصول النور في الأردن والمنطقة تعود إلى قوم بني مرة البكريين "قوم جساس"، الذين تشتتوا بعد حرب البسوس مع قوم بني تغلب "قوم الزير سالم"، حيث "حلت لعنة جساس على قومه، والتي ما تزال عواقبها موجودة حتى اليوم، لعنة أن نصبح مشتتين، لا نستقر في مكان، نرحل في وضح النهار، لا نمتلك الخيل ولا نوقد نارا".
وتفيد المصادر التاريخية أن قوم بني مرة، وبعد حرب دامت أربعين عاما مع بني تغلب، تشتتوا في الأرض. إلا أن ربط النور بقبيلة بني مرة ونتائج حرب البسوس ما قبل الإسلام لم تعتمد تاريخيا وعلميا، رغم تمسك النور بهذه الرواية.
ويتمنى الشاب نضال، الذي يتحدر من واحدة من عائلات "النور"، والتي تتخذ من إربد مستقرا حاليا، أن تحدد أصول النور بدقة منعا لكثرة التأويلات، وقال لـ"الغد" إن هناك آراء مختلفة عن أصول فئة النور، لافتا إلى وجود روايات تتحدث أيضا عن أن أصولهم تعود إلى الهند أو الباكستان أو رومانيا. لكنه يؤكد أن "كل ما أعرفه أن النور المتواجدين في الأردن معظمهم يعودون إلى سلالة جساس الذين هزمهم وشتتهم الزير سالم".
بالمقابل يشير أستاذ علم الأنثربولوجيا في جامعة اليرموك الدكتور محمد الطراونة الى أن النور العرب يدعون أنهم عرب أقحاح، وينسبون أنفسهم إلى قوم جساس (بني مرة)، الذين تشردوا بعد حرب البسوس بناء على وصية كليب، الذي قتل على يد جساس ما أشعل حرب البسوس، والتي دعت الى تشرد هذا القوم إلى يوم الدين.
ويبين الطراونة أن النور في العالم، المعروفين أيضا بالغجر، لهم رواية مشابهة للنور في الأردن، تتحدث عن أن جدا لهم يدعى "كين"، قتل أخاه الذكي الضعيف، فحكمت الآلهة على قوم "كين" بالتشرد طوال حياتهم بين أرجاء العالم.
الحقيقة الدولية – الغد 12.8.2010 نشر بتاريخ : Wednesday, August 11, 2010 - 6:18:53 PM